1 Point2 Points3 Points4 Points5 Points [4,97 / 5]
Loading...

المغرب: الاستغلال الاستعماري في عهد الحماية

ملخص الوحدة:

اعتمد الاستعمار بالمغرب في عهد الحماية على آليات مختلفة مكنتاه من استغلال الثروات الاقتصادية المغربية، ترتبت عن هذا الاستغلال آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع المغربيين. فما هي آليات الاستغلال الاستعماري ؟ وما هي مظاهر هذا الاستغلال ؟ وما هي آثاره على الاقتصاد والمجتمع المغربيين ؟

1. آليات الاستغلال الاستعماري للمغرب في عهد الحماية

1.1. الآليات السياسية والعسكرية

أحدث الاستعمار بالمغرب في عهد الحماية آليات سياسية وعسكرية سهلت له ممارسة الاستغلال الاقتصادي، فمن الناحية السياسية وظف مختلف الإدارات التي أنشأها في ترسيخ الاستغلال، وأصدر ظهائر وقوانين للاستيلاء على الأراضي. كالظهير الذي وضع الأملاك الجماعية تحت وصاية الدولة، وقانون التحفيظ العقاري الذي استغله المعمرون لتوسيع أراضي الاستعمار الخاص. كما شجعت السياسة الاستعمارية استيطان الأجانب بالمغرب، ففي هذا المجال أنشأ الاستعمار الفرنسي الوكالة الشريفة للتعريف بآفاق الاستثمار بالمغرب خاصة على المستوى الضريبي. فارتفع عددهم في صفوف الفرنسيين.
أما من الناحية العسكرية، فإن الاستعمار كون فرقا من أبناء المستعمرات ومن المغاربة وكانت مهمة هذه الفرق هي ضمان أمن الاستغلال الاستعماري.

2.1. الآليات المالية والتجهيزية

شكلت الآلية المالية أساس الاستغلال الاستعماري للمغرب، وفي هذا الإطار اعتمد الاستعمار على دور البنك المخزني وأبناك أخرى كانت تقوم بمهمة الإيداع وتقديم القروض. كما وظف الاستعمار مدخول الضرائب المفروضة على السكان في تعزيز الموارد المالية اللازمة لإنجاز المشاريع، وشهدت الاستثمارات الخاصة والعمومية وشبه العمومية ارتفاعا بعد الحرب العالمية الثانية. وبواسطة هذه الموارد المالية تم تدعيم البنية التحتية بالمغرب. ففي المنطقة السلطانية، أنشئ ميناء الدار البيضاء الذي شكل أكبر ميناء بالمغرب، وبنيت سدود لتوليد الطاقة وسقي الأراضي الزراعية مثل سد القنطرة على نهر بهت، وسد بين الويدان على نهر العبيد. كما تم مد شبكة من الطرق المعبدة بين المدن الكبرى، والسكك الحديدية بالإضافة إلى مطارات كمطار النواصر قرب الدار البيضاء. وتمكن الاستعمار بواسطة هذه التجهيزات من ربط المناطق الزراعية والمنجمية في المغرب بأسواقه الرأسمالية.

2. مظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب في عهد الحماية

2.1. الاستغلال الاستعماري في ميدان الفلاحة والصيد البحري

هيمن الاستعمار بالمغرب في عهد الحماية على الأراضي المتميزة بخصوبتها وقربها من الشبكة المائية الدائمة الجريان، ففي جهتي الرباط والدار البيضاء، تجاوزت المساحة التي استولى عليها الاستعمار بنوعيه الرسمي والخاص 700 ألف هكتار. ووظف فيها أحدث التقنيات كما حول نسبة مهمة من الأراضي المسقية من إنتاج المواد المعيشية إلى إنتاج المواد التسويقية التي كانت تحقق أرباحا مرتفعة. وفي مجال الصيد البحري استغل الاستعمار السواحل المغربية الغنية بثروتها السمكية، وهيمن البحارة الأسبان والبرتغال على الصيد بواسطة السفن الصغيرة، بينما هيمن الفرنسيون على الصيد بالسفن الكبرى، وارتفع إنتاج الصيد في عهد الحماية بنسبة تجاوزت %1500.

2.2. الاستغلال الاستعماري في ميدان الصناعة

اهتم الاستعمار بالنشاط الصناعي الذي يتطلب رأسمالا محدودا، أو يحقق أرباحا مرتفعة كالصناعة الغذائية والنسيج والصناعة الاستخراجية. فعلى مستوى الصناعة الغذائية تمركزت معظم الشركات الأجنبية بالدار البيضاء بالنسبة للمنطقة السلطانية، وبتطوان بالنسبة للمنطقة الخليفية، وتأتي صناعة المطاحن والمعلبات في مقدمة منتجات هذا النشاط الصناعي. أما بالنسبة للصناعة الاستخراجية، فاقتصر الاستغلال الاستعماري على استخراج المعادن وتصديرها إلى الخارج، ففي سنة 1952، تجاوزت قيمة ما استخرجته فرنسا من المعادن 30 مليار فرنك، ويأتي الفوسفاط في مقدمة المعادن التي استغلها الاستعمار بخريبكة واليوسفية عن طريق المكتب الشريف للفوسفاط. واحتل إنتاج المغرب المرتبة الثانية عالميا سنة 1938.

3.2. الاستغلال الاستعماري في ميدان التجارة

يعتبر النشاط التجاري أول قطاع اقتصادي اهتم به الأجانب بالمغرب، حيث أقاموا متاجر للبيع بالتقسيط، ثم أحدثوا شركات كبرى متخصصة في السمسرة والمبادلات، فهيمنوا على التجارة الداخلية. أما التجارة الخارجية، فكانت موجهة بالخصوص نحو المتروبول الفرنسي والاسباني. وكانت الصادرات المغربية تتكون بالأساس من المواد الفلاحية كالبواكر والكروم والصوف والمواد البحرية والمعادن الخام، بينما طغت على الواردات المواد الغذائية كالسكر والشاي والمحروقات والمواد المصنعة. واتسم الميزان التجاري المغربي بطابع العجز، وبتزايد قيمته ما بين بداية عهد الحماية.

3. آثار الاستغلال الاستعماري على المستوى الاقتصادي

1.3. آثار الاستغلال الاستعماري على المستوى الاقتصادي

انعكس الاستغلال الاستعماري بشكل سلبي على الاقتصاد المغربي. ففي ميدان الفلاحة، خلخل الاستعمار وضعية أراضي المخزن والأحباس والقبائل، وكون المعمرون ضيعات عصرية اهتمت بالمنتجات التسويقية على حساب المعيشية. أما على مستوى الصناعة، فإن المنتجات الحرفية عانت من ارتفاع أسعار المواد الأولية ومن منافسة البضائع العصرية خاصة بعد 1929، حيث تدفقت البضائع الأجنبية نحو السوق المغربية، وخضع توزيع المواد الاستهلاكية على مستوى التجارة للتقنين بواسطة بطاقات تعرف باسم البون. كما شهدت أسعار المواد ارتفاعا في الوقت الذي انخفض فيه متوسط أجر العمال. ونتج عن هذا الوضع ارتباط الاقتصاد المغربي بالنظام الرأسمالي العالمي، وفرض على المغرب تصدير المواد الخام، وأن يكون سوقا لتصريف فائض الإنتاج الرأسمالي.

2.3. آثار الاستغلال الاستعماري على المستوى الاجتماعي

تضررت أغلبية المجتمع المغربي من الاستغلال الاستعماري، ففي البوادي، عانى الفلاحون من مصادرة أراضيهم ومن دفع ضرائب جديدة إلى جانب ضريبة الترتيب، كما كان الاستعمار يفرض عليهم العمل الإجباري المجاني في ضيعات المعمرين والقواد. أما في المدن، فساءت حالة الحرفيين بسبب الكساد الذي أصاب منتجاتهم، كما تضرر التجار المغاربة، فحتى المحظوظون منهم كانت نسبة مساهمتهم في رأسمال الشركات الكبرى محددة في %5. وبالنسبة للفئة المتخرجة من المعاهد التقليدية كالقرويين، فقد وجدت نفسها عرضة للبطالة. إن سوء أحوال هذه الفئات جعلها تهاجر نحو المدن التي عرفت انتعاشا كالدار البيضاء، فشكلت فيها فئة عمالية عانت بدورها من السكن في أحياء الصفيح وانتشار الأمراض في صفوفها ومن انخفاض أجورها مقارنة مع الأجانب، ومن الحرمان من التأمين والحق النقابي، ودفعها هذا الوضع إلى القيام بإضرابات مثل إضراب عمال تطوان سنة 1931، وإضراب عمال الدار البيضاء وخريبكة سنة 1948.
خاتمة
شمل الاستغلال الاستعماري للمغرب في عهد الحماية مختلف القطاعات الاقتصادية وتضررت منه معظم الفئات الاجتماعية. وأدى ذلك إلى تعزيز الحركة الوطنية المغربية التي عارضت الاستعمار. فكيف تشكلت هذه الحركة التي قادت نضال المغرب من أجل الاستقلال ؟

=========================================
الاستعمار الرسمي: الأراضي المغربية التي استولت عليها الإدارة الاستعمارية بعد 1912 بدعوى المصلحة العامة أو مصادرة أراضي القبائل المقاومة، وكانت تفوت جزءا منها للخواص.
الاستعمار الخاص: يعرف أيضا بالاستيطان الخاص ويقصد به الأراضي المغربية التي استولى عليها الأجانب بطرق ملتوية قبل وبعد سنة 1912.
المتروبول: كلمة أجنبية معناها البلد الأصلي الذي يستعمر بلد آخر، ويقصد بها بالنسبة للمغرب في عهد الحماية كل من فرنسا واسبانيا.
أراضي المخزن: الأراضي التي كان كبار الإدارة المغربية يتصرفون فيها كالسلطان والوزراء والباشوات والقواد
عهد الحماية: الفترة الزمنية الممتدة من 30 مارس 1912 إلى 2 مارس 1956، خلالها كان المغرب مقسما إلى ثلاث مناطق وهي منطقة طنجة التي كانت تحت الاستعمار الدولي، والمنطقة السلطانية المحتلة من قبل فرنسا، والمنطقة الخليفية في الشمال والجنوب الغربي التي احتلتها اسبانيا.