1 Point2 Points3 Points4 Points5 Points [3,80 / 5]
Loading...

أزمة العالم الرأسمالي الكبرى
لسنة 1929
ملخص الوحدة:
تعرض النظام الرأسمالي سنة 1929 لأزمة اقتصادية خانقة كادت تعصف بمقوماته، اندلعت في بورصة وول ستريت بالولايات المتحدة الأمريكية يوم 24 أكتوبر لتشل باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتعطل بشكل متفاوت اقتصادات الدول الرأسمالية واقتصاد المستعمرات المرتبطة بهذه الأخيرة. فما العوامل التي ساهمت في اندلاع الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929، وما مظاهر وآليات انتشارها قطاعيا ومجاليا، وما التدابير التي اتخذتها الدول الرأسمالية لمواجهة هذه الأزمة ؟

1. أتعرف السياق التاريخي لانطلاق الأزمة من الولايات المتحدة الأمريكية

1.1. السياق التاريخي لانطلاق الأزمة:

عرف النظام الرأسمالي الأمريكي انتعاشا منذ أواخر القرن التاسع عشر وتزايدت مظاهر رخاء الاقتصاد الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الممول للدول الأوربية المتحاربة.
تميزت هذه المرحلة على المستوى الداخلي بالانتعاش الذي عرفته قطاعات الاقتصاد الأمريكي، وتزايد ثقة المضاربين بالبورصة بحثا عن الربح، ورافق هذا التطور تزايد انفتاح الأبناك على القروض. وكان من أبرز نتائج هذا التطور الظاهري تعرض البورصة لاختلال في نشاطها بسبب ارتفاع عرض الأسهم وتراجع الإقبال عليها بعد توقف الأبناك عن تقديم القروض سواء الموجهة منها للاستهلاك أو للاستثمار، مما أدى إلى انهيار قيمة الأسهم، إذ عرفت بورصة وول ستريت في يوم 24 أكتوبر 1929 عرض أكثر من 13 مليون سهم. عرف هذا اليوم انهيارا قويا قي قيمة الأسهم لبعض الشركات بنسبة تفوق %80 من قيمتها الحقيقية شركة الصلب المتحدة كمثل.

2.1. مظاهر انتشار الأزمة قطاعيا داخل الاقتصاد الأمريكي

بعد انهيار قيمة الأسهم بسبب عجز المضاربين عن تسديد القروض أفلست الأبناك، ورافق ذلك تراجع في تقديم القروض للاستهلاك والاستثمار، مما ترتب عنه إفلاس المؤسسات الصناعية كما يعبر عن ذلك تراجع مؤشر الإنتاج الصناعي، وإفلاس الفلاحين بعد عجزهم عن تسديد ديونهم ومصادرة ممتلكاتهم. وأصيبت الحركة التجارية بالركود. وبالتالي انهارت القدرؤة الشرائية وتزايد عدد العاطلين إذ تجاوز 12 مليون عاطل سنة 1932 كانوا يعتمدون على مساعدات الدولة في إطار طوابير أمام مقرات المساعدات والهجرة إلى المناطق الأقل تضررا من الأزمة بحثا عن العمل وظروف عيش أحسن.
أدى الترابط البنيوي بين الدول الرأسمالية إلى توسع انتشار الأزمة عالميا، إذ تسربت الأزمة من الاقتصاد الأمريكي لتشل اقتصاديات الدول الرأسمالية بدرجات متفاوتة من خلال مجموعة من الآليات أهمها:

– السحب المباشر للودائع الأمريكية من أبناك بعض الدول الأوربية وتوقيف برنامج المساعدات الأمريكية كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا والنمسا.
– استرجاع الديون وتراجع المبادلات التجارية (توقف الواردات الأمريكية) كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا والبرازيل.
– التخلي عن نظام قاعدة الذهب في الصرف (حالة فرنسا).
– تطبيق سياسة حمائية لحماية الاقتصاد القومي الأمريكي بالنسبة لليابان.
– التبعية المباشرة لمراكز الاقتصاد الرأسمالي وفرض تخفيض على نسبة الواردات عجل بانتقال الأزمة إلى المستعمرات.
كما هو الشأن بالنسبة للمغرب في علاقته مع فرنسا التي كان يصدر إليها المنتجات الفلاحية والموارد الطبيعية المعدنية.
– ظل الاتحاد السوفياتي (سابقا) المنطقة الوحيدة التي لم تتضرر من الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 لانفرادها بتطبيق سياسة الاقتصاد الموجه.

2. أساليب مواجهة الأزمة: الخطة الجديدة (نيوديل) كنموذج:

الخطة الجديدة هي مجموع التدابير التي بلورها فريق من الخبراء ورجال الاقتصاد وتخصصات أخرى (تروست الأدمغة brain-trust) عملوا إلى جانب الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الفائز في انتخابات الرئاسة 1932 بهدف التغلب على الأزمة وإخراج بلاده منها، وتأسست هذه الخطة على فتح الباب أمام تدخل الدولة في توجيه الحياة الاقتصادية والحد من الليبرالية المطلقة. وقد مر تطبيق تدابير الخطة الجديدة بمرحلتين:

1.2. تميزت المرحلة الأولى 1933-1934 بإصدار مجموعة من القوانين للحد من الأزمة:

* قانون الإنقاذ البنكي والمالي مارس 1934: يهدف إلى تخفيض قيمة الدولار والرسوم على القروض وسحب الودائع الأمريكية من أوربا لدعم الأبناك الأمريكية بالقروض.
* قانون التوازن الفلاحي ماي 1934: ينص على الحد من مساحة الأراضي المزروعة للحد من انهيار أسعار المنتجات الفلاحية، وتقديم دعم مالي للفلاحين لاسترجاع أراضيهم.
* قانون الإصلاح الصناعي يونيو 1934: يهدف إلى الحد من تدهور أسعار المواد الصناعية ومنع تشغيل الأطفال ووضع حد أدنى للأجور.
* قانون الإصلاح التجاري: فرض سياسة حمائية على السلع المستوردة وتخفيض قيمة الرسوم الجمركية على الصادرات.
* قانون الرعاية الاجتماعية: إنشاء قانون التأمين على البطالة وضد الزمانة والتأمين ضد الشيخوخة وتقديم المساعدات لذوي الحاجات الخاصة، وإنشاء المكتب الوطني للشغل.
إلا أن تطبيق الخطة الجديدة واجه حاجزين أساسيين: حكم المحكمة العليا بعدم دستورية قوانين الإصلاح، التي وصفتها بأنها تدخل سافر في قيم الحرية الاقتصادية، ومعارضة كبار الملاكين ورجال الأعمال.

2.2. تميزت المرحلة الثانية (من 1935 إلى الحرب العالمية الثانية) بإنجاز المشاريع الكبرى:

تقوم هذه الإجراءات على مبادئ عالم الاقتصاد البريطاني جتن مينار كينز J.M. Keynes بتوسيع وظائف الدولة للإشراف على المشاريع العمومية الكبرى، ببناء الطرق والموانئ والقناطر والبنيات التحتية المحفزة على الاستثمار بهدف خلق مناصب جديدة للشغل وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي ليصبح قادرا على تجاوز وضعية ركود السلع إلى جانب تحفيز الاستهلاك من خلال عمليات القروض والإشهار. ومن خلال مختلف هذه العمليات ستوفر لخزينة الدولة مدا خيل تمكنها من إعادة التوازن للميزانية العمومية.

من نتائج تطبيق الخطة الجديدة انعكاس إيجابي على مؤشرات الإنتاج وأسعار المواد الاستهلاكية وتراجع معدل العاطلين. إلا أنه رغم التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأمريكي فإن بعض القطاعات كالفلاحة والصناعة ظلت تعاني من العجز الذي لم تتمكن من تجاوزه إلا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
من جهة أخرى لجأت الأنظمة الدكتاتورية إلى نهج سياسة اقتصادية موجهة والتطلع إلى توسيع مجالها الحيوي لتجاوز إرغامات الأزمة على أنظمتها.