المغرب تحت نظام الحماية
ملخص الوحدة:
ساهمت الأوضاع الداخلية والخارجية التي عرفها المغرب ابتداء من سنة 1900 في توقيع عقد الحماية يوم 30 مارس 1912، فدخل المغرب تحت نظام الحماية، واعتمد هذا النظام على مجموعة من الأجهزة والمؤسسات. وبرهن المغاربة عن رفضهم لهذا النظام في البداية بالمقاومة المسلحة. فكيف فرض عقد الحماية على المغرب ؟ وما هي أبرز أجهزة ومؤسسات نظام الحماية ؟ وما هي نماذج المقاومة المسلحة التي واجهت هذا النظام ما بين 1912 و1934 ؟
1. السياق التاريخي لفرض عقد الحماية على المغرب، ومضمون ما نصت عليه بنوده.
1.1. دور الأوضاع الداخلية والخارجية في فرض عقد الحماية على المغرب
شهد المغرب في بداية القرن 20م وضعية داخلية صعبة، فمن الناحية السياسية، واجهت السلطة المركزية اندلاع حركات أبرزها الحركة التي تزعمها الجيلالي بن إدريس الزرهوني المعروف ببوحمارة شمال شرق المغرب، ودامت هذه الحركة من 1902 إلى 1909. كما واجهت الاحتلال الفرنسي لمناطق بالجنوب الشرقي ثم احتلال مدينتي وجدة والدار البيضاء سنة 1907. وواجه السلطان مولاي عبد العزيز بسبب هذه الأحداث معارضة تزعمها أخوه مولاي عبد الحفيظ انتهت لصالح هذا الأخير سنة 1908.
ومن الناحية الاقتصادية، عرف المغرب أزمة مالية لأسباب منها توالي سنوات الجفاف، وامتناع المحميين عن دفع الضرائب، وعدم تطبيق سياسة الترتيب الهادفة إلى الإصلاح الجبائي، ودفع هذا الوضع إلى الاقتراض من أوربا مما زاد في نقص عائداته المالية.
وفي نفس الفترة التي تأزم فيها الوضع الداخلي للمغرب، ازداد التنافس الاستعماري حول المستعمرات، وفي هذا الإطار عقدت بعض الدول الأوروبية اتفاقيات ثنائية متكافئة حول المغرب، وفي سنة 1906، عقدت مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي اعترف بالسيادة المغربية وبالامتيازات الفرنسية والاسبانية في المغرب. وبعد التفاهم الفرنسي الألماني حول المغرب والكونغو، استغلت فرنسا الاضطرابات الداخلية كأحداث مكناس وفاس، ففرض على السلطان التوقيع على عقد الحماية.
1.1. مضمون بنود عقد الحماية
وقع عقد الحماية السلطان مولاي عبد الحفيظ، ومبعوث فرنسا رينو، ويتكون هذا العقد من تسعة بنود، يمكن تصنيف مضمونها إلى قسمين، وهما الصلاحيات المخولة للإدارة المغربية، والصلاحيات المخولة للإدارة الفرنسية. فبالنسبة للإدارة المغربية، اعترف العقد باحترام المؤسسة السلطانية والشعائر الدينية للمغرب وبالحكومة المخزنية المحلية إلا أن صلاحياتها كانت شكلية. أما الإدارة الفرنسية فإن عقد الحماية خول لها حق احتلال المغرب عسكريا وإدخال إصلاحات شاملة حسب منظورها، وبتمثيل المغرب على المستوى الخارجي والتفاوض مع اسبانيا حول المغرب، وتحديد مصير طنجة، وبذلك وضع عقد الحماية مصير المغرب بيد الإقامة العامة الفرنسية التي كان يرأسها المقيم العام بالرباط.
1. أجهزة ومؤسسات نظام الحماية بالمغرب
1.2. أجهزة ومؤسسات نظام الحماية في المنطقة السلطانية
تمثل المنطقة السلطانية أكثر المناطق التي قسم المغرب إليها في عهد الحماية من حيث عدد السكان والمساحة والإمكانيات الاقتصادية، وكانت خاضعة للاحتلال الفرنسي. وتنقسم أجهزة ومؤسسات الحماية فيها إلى مركزية وجهوية ومحلية. فعلى المستوى المركزي، أصبحت الرباط عاصمة ابتداء من شتنبر 1912 وتوجد فيها الإقامة العامة ومجموعة من الإدارات والمكاتب، مهمتها الإشراف على التسيير الفعلي لنظام الحماية، ومراقبة الإدارة المخزنية، وإصدار الظهار باسم السلطان، وكان الجنيرال ليوطي أول مقيم عام ساهم في إرساء نظام الحماية. أما جهويا فقسمت المنطقة إلى ثلاث جهات مدنية وهي الرباط ووجدة والدار البيضاء، وثلاث جهات عسكرية وهي فاس ومكناس ومراكش، وعلى الصعيد المحلي، كان المراقب المدني يشرف على الإدارة في الجهة المدنية، وضابط شؤون الأهالي في الجهة العسكرية، وسخرت أجهزة ومؤسسات الحماية الفرنسية لصالحها جهازا مغربيا كونته من القواد والشيوخ والباشوات.
2.2. أجهزة ومؤسسات نظام الحماية في المنطقة الخليفية
يقصد بالمنطقة الخليفية المجال المغربي الذي احتلته إسبانيا، ويتكون من أربع مناطق وهي الشريط الشمالي، وسيدي إفني، وطرفاية، وأخيرا الساقية الحمراء ووادي الذهب، وعلى رأس الإدارة المركزية بتطوان المندوب السامي الذي كان يعتمد في التسيير على خمس إدارات كانت تسمى بالنيابات. وعلى الصعيد الجهوي، قسمت إسبانيا على سبيل المثال الشريط الشمالي إلى خمس جهات، وهي اللوكوس، وجبالة، وغمارة، وكرت، والريف. أما على الصعيد المحلي، فاعتمدت على القناصل في المدن، والضباط العسكريين في البوادي، واستعانت بدورها بخدمات الإدارة المغربية التي كان خليفة السلطان على رأسها بتطوان.
3.2. أجهزة ومؤسسات نظام الحماية في المنطقة الدولية
تشكل منطقة طنجة أقل المناطق التي قسم المغرب إليها في عهد الحماية من حيث المساحة وعدد السكان، وحالت الحرب العالمية الأولى دون إحداث أجهزة ومؤسسات النظام الدولي فيها إلى نهاية سنة 1923 وتتمثل أهم أجهزة نظام الحماية في المجلس التشريعي الذي خول للأجانب 18 مقعدا من أصل 27 بالرغم من قلة عددهم، ثم المحكمة المختلطة التي كان يشرف عليها قضاة أجانب، ولجنة المراقبة التي مكنت المعمرين من السيطرة على باقي المرافق الإدارية والسياسية. أما الإدارة المغربية التي كان مندوب السلطان على رأسها، فكانت مهمتها الحفاظ على الأمن وجعل المغاربة يحترمون الوضع الدولي لطنجة.
2. المقاومة المغربية المسلحة لنظام الحماية ما بين 1912 و1934.
2.1. نماذج المقاومة المغربية المسلحة
شملت المقاومة المسلحة لنظام الحماية مختلف مناطق المغرب، ففي فترة 1912- 1934، التي عملت فيها فرنسا واسبانيا على إرساء أسس الحماية، برزت مقاومات قبائل اكتسبت شهرة على صعيد المغرب وخارجه، ففي الجنوب الغربي، قاد أحمد الهيبة القبائل الواقعة مابين الساقية الحمراء ومراكش، وواجه القوات الفرنسية في معركة سيدي بوعثمان شتنبر 1912، أما موحا أوحمو الزياني فقاد قبائل الأطلس المتوسط وألحق هزيمة بالقوات الفرنسية في معركة لهري نونبر 1914. أما في الريف فتزعم محمد بن عبد الكريم الخطابي مقاومة تمكنت بعد الانتصار في معركة أنوال يوليوز 1921 من طرد الأسبان من معظم المناطق التي احتلوها في الشمال، ومن تهديد الاحتلال الفرنسي. وشكلت مقاومة قبائل الأطلس الكبير وتافيلالت بزعامة عسو أوبسلام حلقة أخرى من حلقات المقاومة المسلحة بصمودها في معركة بوكافر فبراير 1933.
2.2. أهمية المقاومة المسلحة المغربية
يكمن الدور الذي قامت به المقاومة المسلحة لنظام الحماية في عدة جوانب، فمن خلالها عبر المغاربة عن رفضهم لهذا النظام، وقدموا في سبيل ذلك أرواحهم، وألحقوا بقوات الاحتلال خسائر مادية وبشرية، وعبر قادة الاحتلال عن صمود القبائل المغربية بكون أية قبيلة لم تقبل بالنظام الجديد إلا بعد أن استنفذت مختلف وسائل المقاومة. وعبرت المرأة المغربية عن شجاعتها خلال هذه المقاومة بمشاركتها بحمل السلاح وعلاج الجرحى وحث الرجال على المقاومة. كما تكمن أهمية هذه المقاومة في كونها واجهت بإمكانيات محدودة جيش الاحتلال الذي سخر في المواجهات العسكرية الطرق الدبلوماسية والأسلحة الحديثة. ولم تتراجع المقاومة المسلحة إلا بعد أن مهدت لظهور المقاومة السياسية التي واجهت نظام الحماية بأسلوب آخر.
خاتمـة
أحدث نظام الحماية بالمغرب أجهزة ومؤسسات مكنته من استكمال احتلال المغرب، كما ساعدته على استغلال ثرواته الاقتصادية، فكيف مارس الاستعمال استغلاله للمغرب في عهد الحماية ؟
=================================
عقد الحماية: يعرف بمعاهدة الحماية التي وقعت بفاس يوم 30 مارس 1912 بين المغرب وفرنسا، ويتكون العقد من ديباجة وتسعة فصول تنص على صلاحيات كل من الإدارة الفرنسية والإدارة المغربية.
الحماية: شكل من أشكال الاستعمار، يعتمد ظاهريا على وجود إدارة أجنبية في البلد المحمي تساعد الإدارة المحلية، ومن حيث العمق، فإن الإدارة الأجنبية هي المتحكمة في التسيير
أحمد الهيبة: ابن الشيخ ماء العينين بويع أميرا للجهاد بتزنيت سنة 1912 وقاد المقاومة في الجنوب ضد فرنسا واسبانيا إلى أن توفي سنة 1919.
موحا أوحمو الزياني: من أبرز زعماء المقاومة المسلحة بالأطلس المتوسط، ولد حوالي 1877، واستمر في مقاومة الاحتلال الفرنسي إلى أن استشهد سنة 1921.
محمد بن عبد الكريم الخطابي: ولد بأجدير 1883، وتزعم المقاومة ضد الأسبان بالريف بعد المقاوم محمد أمزيان. وشكلت المقاومة التي نظمها نموذجا لحرب التحرير في العالم الثالث، استسلم بعد معارك ضد القوات الاسبانية والفرنسية سنة 1926، ونفي إلى جزيرة لارينيون، وأثناء نقله إلى فرنسا، لجأ إلى مصر وتزعم مكتب المغرب العربي للدفاع عن استقلال الدول المغاربية، وتوفي بالقاهرة سنة 1962.
عسو أوبسلام: قائد قبائل أيت عطا، تزعم المقاومة المسلحة مابين 1930 و1933، بحوضي دادس وغلايس، وبجبال صاغرو. توفي سنة 1963.