ملخص الوحدة:
تشكل العولمة إحدى العوامل الرئيسية المتحكمة في تنظيم وتدبير المجال العالمي، اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا وثقافيا. وأضحت تمثل منذ التسعينيات أبرز القضايا العالمية بسعيها لإعادة تنظيم العالم وفق أسس جديدة. فما المقصود بالعولمة ؟ وكيف نشأت تاريخيا ؟ وما أبرز أشكالها ؟ وما الآليات المتحكمة فيها ؟ وما هي القوى
الفاعلة فيها ؟
1. ظاهرة العولمة: المفهوم، الجذور التاريخية، المظاهر والأشكال
1.1. معنى وجذور هذه الظاهرة التاريخية
العولمة تعريب للكلمة الإنجليزية (globalization) والفرنسية (mondialisation). لغويا تعني تعميم الشيء ليتخذ صبغة عالمية، وتوسيع دائرته ليصبح منتشرا على المستوى العالمي. أما اصطلاحا فمعناها يختلف حسب العلوم:
– في الاقتصاد: تعني العولمة اندماج اقتصادات العالم في التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية، وضمان حرية تنقل رؤوس الأموال واليد العاملة والمنتجات الثقافية والتكنولوجية، في احترام تام لأسس النظام الرأسمالي.
– في التاريخ: العولمة مرحلة جديدة في تطور الرأسمالية، تتميز بإنشاء مجال عالمي موحد تتلاشى فيه الحدود الاقتصادية بين الدول. وتبدأ هذه المرحلة منذ التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية القطبية الثنائية وبروز القطبية الأحادية.
– في الجغرافيا: العولمة تنظيم جديد للخريطة الاقتصادية العالمية بزيادة الروابط في الاقتصاد العالمي، بفعل تفكيك الاقتصادات الوطنية وإلغاء الحدود الجمركية، وإنشاء سوق عالمية تهيمن عليها الأقطاب الكبرى والشركات متعددة الجنسيات.
– في الفلسفة وعلم الاجتماع: العولمة هي القضاء على خصوصيات الهوية الثقافية والحضارية للشعوب، والترويج للثقافة الكونية والمجتمع العالمي الموحد عبر تنميط القيم والعادات اعتمادا على ثقافة العالم الرأسمالي.
ويعتبر المؤرخون العولمة ظاهرة قديمة تعود إلى فترة النهضة الأوربية حيث نشأت المجتمعات القومية، مما زاد من توسيع السوق الاقتصادية. وتطورت أكثر في القرنين 18 و19 بسبب الثورتين الفلاحية والصناعية، مما وسع مجال التبادل التجاري العالمي. وبعد الحرب العالمية الثانية ساهمت عوامل اقتصادية في انتشار العولمة، كإنشاء عدة مؤسسات دولية مهتمة بتنظيم الاقتصاد العالمي، وتشكيل تجمعات اقتصادية إقليمية، وحدوث تكنولوجية ثالثة.
2.1. تتخذ العولمة مظاهر وأشكالا مختلفة
العولمة ظاهرة مركبة ومعقدة، فهي تتخذ أبعادا ومظاهر مختلفة ومتداخلة. ويمكن تحديد أهم أشكالها في:
* العولمة الاقتصادية: تتمثل في سيادة النظام الرأسمالي المبني على اقتصاد السوق والحرية والمنافسة، وانفتاح الأسواق، وتسهيل تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة، وهيمنة التكتلات الاقتصادية والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الاقتصادية الدولية.
* العولمة السياسية: تتجلى فيتلاشي الأنظمة الشمولية وتبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، واختلال العلاقات الدولية باختفاء الثنائية القطبية وهيمنة النظام العالمي الجديد القائم على القطبية الأحادية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
* العولمة الثقافية والفكرية: تتبلور في سيادة ثقافة العالم الرأسمالي، من قيم وعادات وأفكار المبنية على الحرية والنزعة الفردية والفلسفة البراغماتية، وتلاشي الخصوصيات الحضارية، والترويج للثقافة الكونية الواحدة.
* العولمة التقنية والاتصالية: تتمثل في ولوج العالم مرحلة الثورة التكنولوجية الثالثة، وبروز ظاهرة القرية العالمية بتقلص المسافات الجغرافية، وسقوط الحدود الاقتصادية بتطور وسائل النقل والإعلام والاتصال.
2. آليات العولمة
آليات العولمة عبارة عن مجموعة من الميكانيزمات والعمليات التي تؤد=ي إلى الاندماج في العولمة، وهي نوعين:
1.2. الآليات أو الوسائل التقنية
عبارة عن مجموعة من الأسس التكنولوجية التي تقوم عليها العولمة، وتتمثل في:
* حدوث تقدم تقني هائل في وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية. مما نجم عنه اختصار المسافات الجغرافية، وسرعة الاتصال بين أرجاء العالم، وتوسيع نطاق المبادلات العالمية.
* حدوث ثورة تكنولوجية كبيرة في وسائل الاتصال: كالهاتف، والفاكس، والأقمار الاصطناعية، والإنترنت. مما زاد من الروابط والاتصال بين مناطق العالم (قرية عالمية واحدة).
* ظهور وسائل جديدة في مجال الإعلام: كالصحافة الإلكترونية، والتلفزة الرقمية. مما سهل بروز مجتمع الإعلام، والتجارة الإلكترونية، والمعاملات المصرفية والمالية والاقتصادية عن بعد.
2.2. الآليات الاقتصادية
هي جملة من الإجراءات التي تقوم بها الدول والمؤسسات الدولية لتسهيل الاندماج في العولمة، وتتمثل فيما يلي: تخفيض رسوم الجمارك، ومنح حوافز للرساميل الأجنبية بمراجعة قوانين الاستثمار، وتشجيع التنافسية اعتمادا على معياري الجودة والمواصفات الدولية، وإلغاء مراقبة الدولة للاقتصاد بالتخلي عن سياسة التأميم والتخطيط الموجه، وخوصصة القطاعات الإنتاجية بتفعيل المبادرة الحرة، ونهج اقتصاد السوق، وإجراء مفاوضات لتحرير التجارة العالمية.
3. القوى الفاعلة في مجال العولمة: تتمثل القوى الفاعلة في العولمة فيما يلي:
* الدول: تساهم الدول في العولمة من خلال تكوين الموارد البشرية، ووضع قوانين وطنية محفزة للاستثمار، وتوفير البنيات التحتية، وتوفير نظام سياسي ديمقراطي، ووضع سياسة ضريبية محفزة، وتوقيع اتفاقيات للشراكة لتخفيض الرسوم الجمركية، والسعي لإنشاء فضاءات للتبادل التجاري الحر.
* القوى الاقتصادية الكبرى: تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان وبعض الدول الأخرى، مثل كندا وأستراليا. وهي أكبر محرك للعولمة قصد رعاية مصالحها ودعم شركاتها الرأسمالية. وقد لجأت إلى التنسيق فيما بينها من خلال مجموعة الدول الثمانية الكبرى (8G)، أو من خلال « منتدى دافوس » الذي تعقده لمنافسة مشاكلها الاقتصادية ووضع خطط لمعالجتها.
* الشركات متعددة الجنسيات: هي شركات رأسمالية عملاقة تنتمي لدول الثالوث الاقتصادي، ولها فروع في بلدان العالم. وتعتبر أكبر فاعل في العولمة حيث تلجأ إلى التنسيق فيما بينها لتقسيم مناطق النفوذ، أو لفرض قوانمين مالية واقتصادية تخدم مصالحها، أو لضمان حرية تحريك رساميلها في العالم بفعل قوانين الاستثمار وقواعد التجارة العالمية.
* المؤسسات الاقتصادية الدولية: تتمثل رفي المنظمة العالمية للتجارة، والبنك العالمي، وصندوق النقد الدولي. وتقوم بتنفيذ العولمة في المجال المالي والصناعي والتجاري، وذلك بتحرير التجارة العالمية ووضع قواعد عامة لها، وإنجاز برامج الإصلاح الاقتصادي في الدول الأعضاء وفق مبادئ اقتصاد السوق، ثم مراقبة الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية.
* المدن العالمية: هي مدن كبرى، مثل نيويورك ولندن وفرانكفورت وباريس وطوكيو. وتتحكم في أسواق المال العالمية وفي تدفق الرساميل عبر العالم؛ وتحتضن مقرات الشركات متعددة الجنسيات والبورصات العالمية.
* المنظمات غير الحكومية: هي حركات اجتماعية مناهضة للعولمة وللغزو الثقافي. لذا تقود حركات احتجاجية لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن أهم جمعياتها « المنتدى الاجتماعي العالمي » و »حركة أطاك ».
=======================
60 ـ العولمة: ظاهرة حديثة تسعى لتنظيم المجال العالمي وفق أسس النظام الرأسمالي. ويتبلور ذلك في عدة ميادين: سياسيا: إنشاء نظام عالمي أحادي القطبية ونشر الديمقراطية، اقتصاديا: تحرير الأسواق العالمية وضمان تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال، اجتماعيا وثقافيا: تنميط القيم والعادات وذوبان الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب.
61 ـ الفاعلون الأساسيون في العولمة، هي القوى الرأسمالية التي تعمل لنشر العولمة وتعميم النظام الرأسمالي. وتتكون من: القوى الكبرى، والمؤسسات الاقتصادية الدولية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة)، والشركات متعددة الجنسيات، والمدن العملاقة، والمنظمات المؤيدة للعولمة (منتدى دافوس، مجموعة الدول الثمانية الكبرى)، وأخيرا القوى المناهضة للعولمة (المنتدى الاجتماعي العالمي، حركة أطاك).
62 ـ الشركات متعددة الجنسية: هي شركات أو مقاولات رأسمالية ضخمة تحمل جنسية أكبر المساهمين فيها. وتتوفر على فروع خارج وطنها الأصلي. وتزاول أنشطة صناعية ومالية وتجارية. وأضحت تلعب دورا كبيرا في رسم السياسة الدولية، حيث تتوفر على سلطة تتجاوز أحيانا سلطة الدول
.
63 ـ البنك الدولي: أنشئ سنة 1944 ومقره بنيويورك، يضم كلا من البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية، والجمعية الدولية للتنمية. وهو مؤسسة مالية دولية تمول مشاريع التنمية في العالم بمنح قروض وفق شروط محددة.
صندوق النقد الدولي: مؤسسة مالية دولية أنشئت سنة 1945 مقره في نيويورك. من مهامه: تثبيت الأوضاع النقدية في العالم، وتنظيم المعاملات المالية بين الدول، وتقديم الاستشارة والدعم للدول التي تواجه مشاكل مالية واقتصادية، ومنح القروض للدول الأعضاء التي تعاني من عجز في ميزان الأداءات.
64 ـ المدن العملاقة: مدن أكثر اندماجا في العولمة وتتحكم في الاقتصاد العالمي بفعل احتضانها لمقرات الشركات العالمية الكبرى والبورصات وأسواق المال العالمية. أهمها: نيويورك، لندن، باريس، فرانكفورتـ،، طوكيو…
منظمة التجارة العالمية: مؤسسة دولية أحدثت سنة 1995، حلت مكان منظمة الكات. من مهامها: ضبط التجارة العالمية، وإدارة الاتفاقيات التجارية بين الدول، وحل النزاعات التجارية، والسهر على وضع قواعد للتبادل التجاري وتحرير التجارة العالمية.