-الدولة
المجزوءة الثالثة: السياسة 2-العنف (خاص بالشعبة الأدبية)
3-الحق والعدالة
تقديم
السياسة هي السعي نحو السلطة وممارستها بشكل عمومي داخل المدينة أو الدولة، والسياسة حق ممارسة إنسانية جماعية، هي علم تدبير شؤون المجتمع عليها يتوقف نشر وتثبيت القانون بواسطة قوة عمومية.
والسياسة كممارسة عملية وتقنية وواقعية تعني مجموعة من الوسائل والإجراءات الموجهة لامتلاك السلطة والمحافظة عليها، وبالتالي فالسياسة كممارسة واقعية لا تعتمد على قيم العدالة والحق، بل تعتبرها مصدر تشويش إلى جانب مختلف أشكال الغش والتدليس والتزوير… والسياسة بهذا المعنى تنفصل عن الأخلاق وتقطع معها جميع الصلات.
إذن: على ماذا تتأسس السياسة؟ من أين تستمد مشروعيتها؟ ما هي المعايير التي تتحكم في توجيه العلاقات داخل المجتمع؟ هل تقوم الدولة على مبادئ أخلاقية نبيلة؟ أم ينبغي اعتبار السياسة مجرد مسألة تقنية محضة؟
يرتبط التصور الحديث للسياسة بدولة الحق، أي دولة تفصل بين الممارسة السياسية والممارسة الدينية، وذلك بحصر ممارسة السلطة وتحديدها بواسطة الدستور.
وقد وجد هذا التصور تعبيره الأول في نظرية العقد الاجتماعي (التصور التعاقدي الأنواري)، حيث تعمل السلطة السياسة بناء على معاهدة تمت بين أفراد أحرار ومتساوين بالطبيعة، وإذا كان التصور القديم اليوناني (أرسطو) يعتقد أن الإنسان حيوان سياسي بالطبيعة، فإن نظرية العقد الاجتماعي، على خلاف ذلك، ترى أن التنظيم السياسي إبداع من صنع الإنسان، وبالتالي لا يجوز فيه الجمع بين ما هو سياسي وما هو ديني.
تشير السلطة السياسة إلى مكا يؤسس الدولة، فالسلطة توجد عندما يتصرف الناس بشكل جماعي، وتشير إلى ما يقابل الالتزام بالخضوع إلى قواعد مشتركة، هي شرط نمو القدرات التي بواسطتها يعتبر الإنسان نفسه إنسانا، أي مجموع القيم والمعايير، التي تقوم على أساسها العلاقات الاجتماعية: الحق والعدالة.
مشروعية الدولة
I-مفهوم الدولة طبيعة السلطة السياسة
الدولة بين الحق والعنف
تمهيد
تمثل الدولة تنظيما من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والإدارية والاقتصادية… وظيفته تسيير حياة الفرد والمجتمع وضمان اشتغاله بشكل منسجم، وهذا يعني أن ضرورة وجود الدولة يوحي بأن المجتمع غير قادر على تنظيم نفسه وضمان استمرار الرابطة الاجتماعية، والدولة بما لها من أجهزة لتدبير الشأن العام للمجتمع، هي مالكة السلطة أو السلط في المجتمع، في مختلف الميادين، وتقع تحت سيطرتها أجهزة يمكن أن تلجأ إلى استعمال العنف (الجيش، الشرطة، المحاكم، السجون…) ويرى المختصون في شؤونها، على أنه من الضروري أن يتوفر شرطان لكي تقوم الدولة وتمارس سلطتها في تراب معين، وهما:
-الأول استمرار ممارسة السلطة، فالدولة لا تقوم إلا عندما تصبح مؤسستية وقانونية وهي سلطة دائمة لا تحتمل الفراغ …
– الثاني: عندما ترتبط الدولة بالشأن العام. فهي ليست ملكية خاصة، غنها منفتحة على المجال العمومي الذي هو مجال مشترك بين أفراد مجتمع ما. (الدولة بالمعنى الاشتقاقي تعني الجمهورية ترجمة للعبارة اللاتينية res publica وتعني الشأن العام) إذا كانت الدولة هي ممارسة السلطة الدائمة داخل مجال عمومي، ينظم علاقات الناس. فما مدى مشروعية سلطة الدولة؟ وما هي حدود صلاحيتها في حكم المجتمع واستعمال العنف؟ ما مدى صحة الاستقلال والحياد الذي تزعمه الدولة؟
II– مفهوم الدولة
المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها:
إذا كانت الدولة هي أرقى مؤسسة سياسية عرفها الإنسان. فما الغاية من وجودها؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟
- أطروحة توماس هوبس: تنشأ الدولة تعاقد الدولة نتيجة تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر. حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة، حالة الحرب والصراع إلى حالة المجتمع والمدينة. إن غاية الدولة هي تحقيق السلم والأمن. وذلك بخضوع إرادات الأفراد لإرادة الحاكم وسلطته.
- أطروحة سبينوزا: يرى سبينوزا ان تأسيس الدولة ليس فرض السيادة والسلطة على الناس او إ
- رهابهم، بل صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم في العمل والتفكير والسلوك بعيدا عن الحقد والظلم والخداع، وغذن، فإن الغاية الحقيقية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية.
- أطروحة هيجل HEGEL: يرى هيجل ان الدولة لا تستمد مشروعيتها من مجرد حماية الملكية وتحقيق الأمن والملكية الفردية- كما تؤكد ذلك نظريات التعاقد الاجتماعي- إن أساس الدولة يتمثل في تحقيق الروح الكلية المغبرة عن وحدة الإرادات الواعية، حيث تبلغ الحرية حدها الأسمى (لحظة الحرية المطلقة). فحسب هيجل لا يحقق الفرد وجوده الفكري والأخلاقي والاجتماعي إلا بانخراطه ضمن هذه الروح الاجتماعية الكلية والمطلقة (لحظة الوعي المطلق).
- أطروحة ماكس فيبر: يعتبر فيبر أن السياسية هي مجال تدبير الشأن العام للمجتمع والدولة تعبير عن علاقات السلطة والهيمنة القائمة في المجتمع. وهي سلطة قائمة على مبدأ المشروعي. حيث يميز فيبر بين ثلاثة أنماط من مشروعية سلطة الدولة.
خلاصة تركيبية
إن البحث عن مشروعية سلطة الدولة، تعني بالبحث في أساس الدولة وأصلها أي القوة الخفية التي تجعل مجموعة بشرية ما تمتثل للسلطة التي عليها من طرف جهاز الدولة، كذا الغاية، وكذا الغاية من وجود الدولة. وقد أثارت هذه المسألة اهتمام المفكرين الاجتماعيين والسياسيين والحقوقين. ومن بين نظريات الفلسفة السياسية نظرية العقد الاجتماعي، حيث قامت الدولة في نظر أصحابها، على أساس عقد اجتماعي، تنازل بموجبه أفراد المجتمع عن حقوقهم التي كانوا يتمتعون بها الحالة الطبيعية، أي قبل أن ينتظموا في كيان سياسي ويؤسسوا دولة. وكان الغرض من هذا العقد الاجتماعي هو تنظيم شؤون الأفراد بوجود الدولة، ومن أشهر من قال بهذه النظرية: توماس هوبر (1588-1679) وجون لوك (1632-1704) وجان جوك روسو (1712-1778)…
يرى هوبز أن الناس في حالتهم الطبيعية الأولى، كانوا يعيشون حالة من الصراع والحرب والفوضى، ولرغبتهم في السلم والأمن والنظام، تنازل كل واحد منهم عن دعواه في حق السيطرة على كل شيء، لشخص واحد. وكان هذا التنازل بمثابة أو عقد اجتماعي، أدى إلى نشوء الدولة القائمة على القوة، وعلى تركيز السلطة المطلقة في يد شخص قوي مستبد، لم يشارك في العقد، لم يلتزم بأي شيء هو الملك، له كل السلطات وكل الحقوق.
أما جون لوك، فيعتبر أن التعاقد الاجتماعي تم بين الأفراد من جهة وبين الملك من جهة أخرى، بأن يتنازلوا للملك عن بعض حقوقهم بالقدر الذي يسمح بقيام سلطة عامة، وعلى الملك حماية حقوق الأفراد مقابل طاعتهم إياه، في حالة عجزه عن حماية هذه الحقوق يفسخ العقد من قبل الشعب.
أما روسو، فيرى أن التعاقد لا يقوم على القوة-كما اعتقد هوبز- وإنما هو ضرب من المشاركة، قائم على التضامن والحرية والمساواة، ومضمون هذا العقد، هو تخلي كل فرد عن حقوقه برغبة منه، لا لشخص معين، وإنما للدولة التي تمثل إرادة الشعب، على أساس من هذا العقد الاجتماعي تأسست الدولة التي تقوم سلطتها على تطبيق قوانين الإرادة العامة، فتحمي مواطنيها، وتحل القانون الوضعي محل القانون الطبيعي الذي كان سائدا قبل وجود الدولة، وسيادة الشعب هي سيادة الدولة، يعبر عنها القانون، وهي عادلة ومؤدية إلى تحقيق المصلحة العامة، والدولة لا بد أن تكون ديمقراطية أي أن يكون حكمها نابعا من الشعب، وإذا استبد حكامها وجب عزلهم.
لقد أسس فلاسفة العقد الاجتماعي نظرية الدولة لا على أساس ديني مقدس، وإنما على أساس التعاقد، إن البشر أحرار ومتساوون بالطبيعة، وهم عندما يتخلون عن حقهم الطبيعي في الحرية والمساواة، فإنها من أجل تحقيق « اكتمالهم الإنساني » بامتثالهم لسلطة الدولة التي تضمن العيش في سلام وحرية مدنية، وذلك في إطار ما يسمى بدولة الحق.
لقد تطور فلاسفة العقد الاجتماعي إطارا قانونيا مشتركا لمفهوم دولة الحق، لكنهم اختلفوا حول معنى الحرية التي يتمتع بها الفرد في المجتمع فجون لوك لا يمنح سلطات كبيرة للدولة، أن مجال تدخلها هو المجال العمومي المشترك، بينما لا يجب عليها أن تتدخل في المجال الخصوصي للناس، سواء تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي (الملكية) أو بالجانب الروحي (الاعتقاد الديني) (الاختيار الليبرالي) وعلى خلاف جون لوك يمنح هوبز للدولة سلطة مطلقة (الملكية المطلقة)، إذ عليها أن تتدخل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، فالسلطة المطلقة للحاكم، غايتها ضمان السلم وحماية ممتلكات الأشخاص، فالملك حسب هوبز شخص له صفة تمثيلية، لا يخدم مصالحه بقدر ما يخدم المصلحة العامة المشتركة، إن على الدولة أن تكون « قوية صارمة » حتى لا يفكر الناس في العودة إلى حالتهم الأولى، حالة الفوضى والعنف وحرب الكل ضد الكل، غير أن الحكم المطلق أو السلطة المطلقة للملك قد تشكل تهديدا لحرية الفرد، كما قد يشكل الحكم المحدود (الليبرالية) ضعفا في سلطة الدولة، أما روسو، فيرى أن على الدولة أن تحقق صنفين من الحقوق، حقوق الإنسان، لأنه لا يتجاوز أنانيته الطبيعية، وحقوق المواطن، حيث يتمثل الفرد كمواطن، لسلطة القانون عوض الخضوع لسلطة القوة.
تمثل الدولة على اختلاف نظريات فلاسفة العقد الاجتماعي، المصلحة العامة المشتركة، أن الدولة حسب اسبينوزا، لا تكون غايتها أن تفرض سلطتها على الأفراد، بل صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم « فالحرية هي الغاية الحقيقية منقيام الدولة » إذن فالحرية من المثل العليا لدولة الحق، وهو ما يؤكده من منظور فلسفي حداثي، العالم الاجتماعي الألماني ماكس فيبر في حديثه عن أسس مشروعية سلطة الدولة، إلى جانب النمطين التقليديين من السلطة: السلطة الأبوية (سلطة الأب الأكبر أو الشيخ الكبير)، القائمة على العادات والتقاليد، أو السلطة الكارزمية (سلطة الزعيم)، هنالك السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية، وهي سلطة قائمة على أسس عقلانية، لأنها تقوم على أساس الامتثال للواجبات والالتزامات المستمدة من القوانين، بل إن الدولة من المنظور الهيجلي هي المجال الذي يلتحم فيه الحق والأخلاق.
المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية
هل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة؟
أطروحة منتسكيو
مونتسكيو أن الدولة تقوم على ثلاثة أنواع من السلط: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية يدعو مونتسكيو إلى الفصل بين هذه السلط لضمان حقوق الإنسان وحريته.
أطروحة التوسير
يحدد التوسير مفهوم الدولة، وهي عبارة عن مجموعة من الأجهزة يميز فيها بين الأجهزة القمعية والأجهزة الإيديولوجية.
أطروحة فوكو
على خلاف التصورين السابقين، يرى فوكو-من منظور بنيوي- أن سلطة الدولة لا يمكن حصرها في مجموعة من الأجهزة لأن السلطة علاقات هيمنة تمتد في كل الجسم المجتمعي.
خلاصة تركيبية
إن الحديث عن طبيعة السلطة السياسية هو بشكل ما حديث عن مفهوم الدولة، وتطور هذا المفهوم تاريخيا أو حسب مرجعية استعماله-فمنذ عصر الأنوار ميز مونتسكيو بين السلطة التشريعية، وتختص بسن القوانين والمراسيم في جميع مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، والسلطة التنفيذية، وتتجسد في الحكومة المكلفة بتنفيذ القوانين، والسهر على سلامة الدولة داخليا وخارجا، وأداة الدولة في ذلك الإرادة والشرطة والجيش، أما السلطة القضائية فإن مهمتها هي السهر على تطبيق القانون، ومعاقبة مخالفيه، والفصل في المنازاعات التي تقوم بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة، وتقوم الدولة الحديثة على الفصل بين هذه السلطات تجنبا لطغيان سلطة الدولة وحماية لحقوق المواطنين وحرياتهم.
فالحكومة تختص بممارسة السلطة التنفيذية، كما تتولى هيئة منتخبة في البرلمان، مهمة التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها، أما القضاء فتقوم بمهامه هيئة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا تتقيد إلا بالقانون، كما تمتد سلطة الدولة خارج هذه الأجهزة الثلاثة كما حددها مونتسكيو، وذلك من خلال ممارستها لمجموعة من الوظائف المختلفة والتي تجعل الدولة ذات سلطة إدارية، إضافة إلى سلطتها السياسية، وبمقتضى هذه الوظائف تكون الدولة حامية للآداب والفنون ومشرفة على التربية والتعليم ومراقبتها، كما تشرف على المصالح التابعة لها كالبريد والإذاعة، وتهتم بالمرافق الاجتماعية مثل الصحة والشغل والضمان الاجتماعي… بل وأيضا التدخل في تنظيم الاقتصاد الوطني، خاصة في مجال الإنتاج، محافظة منها على إقامة التوازن بين المصالح المختلفة، أما التوسير ومن منظور ماركسي (التوسير من مجددي الفكر الماركسي) فيرى أن الدولة تتشكل من مجموعة من الأجهزة: الأجهزة القمعية (وهي من المفاهيم المستعملة في الأدبيات الماركسية التقليدية) وتتكون من حكومة، إدارة جيش، شرطة، محاكم، سجون… وهي مؤسسات قمعية عنيفة تستخدم القمع والعنف بأشكاله المختلفة، وتتميز هذه الأجهزة باستقلاليتها وانتمائها للقطاع العمومي (الدولة) والأجهزة الإيديولوجية للدولة، وهي مجموعة من المؤسسات المتخصصة والتي تنتمي أغلبها إلى القطاع الخاص، كالجهاز الديني، العائلي، المدرسي، القانوني، السياسي، النقابي، الإعلامي، إذن سلطة الدولة يمكن أن تتخذ مظاهر مختلفة:مباشرة كما تتجلى في أجهزة الدولة، وغير مباشرة كما يمكن أن تظهر مختلف المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية.
أما فوكو، ومن منظور بنيوي، يؤسس لمفهوم جديد للسلطة، فهي ليست سجينة مجموعة من الأجهزة والبنيات، التي تمكن من إخضاع الأفراد داخل دولة معينة، إن السلطة ليست القوة المنبثقة من سيادة الدولة أو سلطة القانون، فما هذه إلا الأشكال التي تنتهي إليها السلطة، إن السلطة هي القوة أو مجموعة القوى التي تفعل فعلها في المجال الذي تمارس فيه، إنها الاسم الذي يطلق على « وضعية استراتيجية » معقدة في مجتمع معين، تجعل مفعول السلطة وتأثيرها يمتد كعلاقات قوة في كل الجسم المجتمعي، وهذا تصور بنيوي يعبر عن العلاقات الخفية السائدة في مجمتع ما، عن نظام دائري للسلطة، والتي يشكل النظام المؤسسي مظهرها، ويمكن التعبير عن هذه الأشكال من السلطة من خلال اللغة والخطاب.
المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف
هل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون، بالحق أم بالعنف؟
أطروحة ماكيفيلي: إن مجال السياسة هو مجال صراع بين الأفراد والجماعات، لذلك فعلى رجل السياسة (=الأمير) أن يستعمل في ممارسته للسلطة السياسية، كل الوسائل المتاحة للتغلب على خصومة وبلوغ غايته عليه أن يستخدم الوسائل المشروعة وغير المشروعة: القانون/القوة/الحق/ العنف…
أطروحة فريدريك انجلس: يرى أنجلس (الماركسية) أن الدولة تأسست كنتاج حتمي للصراع بين الطبقات، فسلطة الدولة تتولد من المجتمع وتمنح مشروعية لهذا الصراع، حيث تصبح دولة الطبقة السائدة اقتصاديا.
خلاصة تركيبية
إن الغاية الأساسية من وجود الدولة، هي ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم دون مساس الأفراد بسلطتها أو بمشروعيتها، ولتحقيق هذه الغاية، لا بد أن تتوفر على جهاز إداري ومؤسسات قانونية وتنظيم عقلاني، وتمارس سلطة لها مبادئها وآليات اشتغالها، فمجال السياسة هو مجال صراع مصالح متعارضة، وتبعا لهذا الصراع لا بد أن يكون رجل السياسة كما يؤكد –ماكيافيلي- قويا ذكيا، بل وماكرا ليستطيع الانتصار على خصومه أو أعدائه، فهو يستخدم كل الوسائل كالكذب والمكر والخداع… فهي جزء من الممارسة السياسية، ولكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها، باعتبارها تجمعا سياسيا منظما وعقلانيا، فإنها تلجأ بالإضافة إلى الوسائل القانونية إلى العنف المادي، فهي وحدها تمتلك هذا الحق-حسب ماكس فيبر- وتحتكره، إنه عنف معقلن ومشروع لحماية الحق العام.
غير أن احتكار السلطة السياسية أو الشطط في استعمال السلطة والقوة سواء من طرف فرد واحد أو هيئة واحدة سيؤدي إلى قيام نظام استبدادي.
في هذا السياق وجهت الماركسية، نقدا لجهاز الدولة في النظام الرأسمالي الليبرالي، باعتبارها أداة توظفها الطبقة البورجوازية لتبرير سيادتها ومشروعية استغلالها للطبقات المضطهدة وتنبئ بدولة تقوم على « ديكتاتورية البروليتاريا » يتحرر فيها الإنسان من وضعه الاستغلالي.
إن دولة الحق، دولة القانون والمؤسسات تجمع السياسة والأخلاق، القوة والإقناع، فالمواطن يشعر أنه عضو فاعل في مجتمع سياسي ولي خارجا عنه، إن دولة الاستبداد على النقيض من دولة الحق تبقى معزولة عن الناس، وهذا ما يجعلها هشة ومعرضة دوما للفردانية والتسلط.