1 Point2 Points3 Points4 Points5 Points [3,71 / 5]
Loading...

مفهوم الحقيقة

1- الرأي والحقيقة

2- معايير الحقيقة

3- الحقيقية بوصفها قيمة

تقديم: يتحدد المجال الإشكالي للحقيق في إطار السعي المتواصل للإنسان لبلوغ الحقيقة، كمثل أعلى لكل معرفة أو بحث نظري، وغاية أسمى لكل سلوك عملي. لكن ما الحقيقة؟

إن الحقيقة مفهوم غامض وملتبس، نظرا لاختلاف مجالاتها وتنوعها واختلاف أوجهها مظاهرها: حقيقة عقلية أو حسية حدسية…

ومن ثمة تختلف معاييرها والطرق المؤدية إليها. وهذا يطرح مشكلة التمييز بين الصدق والكذب، بين الصواب والخطأ، حتى تستجيب الحقيقة لمطلبي الكونية والضرورة. فمفهوم  الحقيقة يختلف ويتنوع، تبعا لاختلاف وتنوع مجالات الفكر والقول والواقع… وقد ساد في تاريخ الفلسفة، التمييز بين الحقيقة العقلية أو الصورية، مجالها الأحكام المعبر عنها بالأقوال والقضايا. يتطلب التحقق من صدقها وصلاحيتها مراعاة التناسق الداخلي في القضية أو الحكم. والحقيقة التجريبية، معيار صدقها الاقع الخارجي أي مطابقة القضايا للواقع.

غير ان الخطاب الفلسفي المعاصر، لم يبق سجين التصور التقليدي للحقيقة معاييرها (التماسك المنطقي، المطابقة مع الواقع). فالتصور البراغماتي يتجاوز معياري العقل والواقع، ويؤسس الحقيقة على المنفعة (وليام جيمس) أو ما تكشفه من أوهام (نيتشه) وأخطاء بشلار). كما أصبح الوجه الآخر للحقيقة هو السلطة (فوكو) إذن:

– ما الحقيقة؟ ما علاقتها بالرأي؟ هل الحقيقة معطاة أم يتم بناؤها؟

– كيف تعرف على ما هو حقيقي؟ ما معايير الحقيقة؟

– لماذا نرغب في الحقيقة؟ ما قيمتها؟

المحور الأول: الرأي والحقيقة.

هل الحقيقة معطاة أم هي بناء؟

* أطروحة ديكارت:

يدعو ديكارت إلى نقد ومراجعة المعارف المكتسبة. والشك في الآراء الخاطئة التي كان يعتبرها حقيقة وصادقة. وإعادة بناء المعرفة على أسس عقلية جديدة يقينية وصلبة.

* أطروحة بشلار:

يؤكد بشلار وجود تعارض جذري بين الرأي والحقيقة العلمية. لأن الرأي في نظره مبني على الاعتقادات السائدة لدى عامة الناس. فهؤلاء يميلون إلى ربط المعرفة بالحاجة والمنفعة. أما الحقيقة العلمية فهي إنتاج وبناء يستلزم ضرورة التخلص من أفكار العامة واستبعادها.

خلاصة التركيبة

يقدم ديكارت جوابا عن مشكلة فلسفية حول الحقيقة، وهي: كما الطريق إلى الحقيقة؟ وكيف يمكن بلوغها؟

يقول ديكارت في كتابه « مقالة في المنهج »: إنه من الأولى عدم البحث في الحقيقة بصدد أي شيء كان، بدل البحث عنها بدون منهج. والمنهج هو قواعد ابحث العلمي المؤدية إلى الحقيقة بواسطة العقل لا الرأي في المعرفة العلمية عائق، لا يفكر. وهذا يقضي أولا هدمه وتجاوزه، لنعرف ما نبحث عنه، وتحدد بعدها الوسائل الضرورية، وهذا ما يفسر دعوة ديكارت إلى نقد ومراجعة المعارف والمكتسبات السابقة، واعتبارها حاملة للأخطاء، لكونها معرفة غير مؤسسة على أساسا صلب ومتين. لذا أسس ديكارت « قواعد المنهج ». وقد اقتصر في « منهجه » على أربع قواعد، الأولى منها مستندة إلى مبدأ الحدس، والثلاث الأخيرة مستندة إلى مبدأ الاستنتاج، وهي على التوالي: البداهة التحليل التركيب والمراجعة.

تفترض القاعدة الأولى من قواعد المنهج  » أن لا أتلقى شيئا على الإطلاق على أنه حق، ما لم أتبين بالبداهة أنه كذلك، أي أن اعني بتجنب التعجل والتشبث بالأحكام السابقة، وان لا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل لعقلي في الوضوح وتميز لا يكون لدي معها أي مجال لوضعه موضع الشك ».

ويتضح من هذه القاعدة، أن ديكارت اعتمد معيار البداهة العقلية لإثبات الحقيقة، أي أن الأحكام الحقة لا تكون كذلك، إلا إذا تمثلت للعقل بكل وضوح وتميز، ولا تدع أي مجال للشك، والبداهة حسب اسبينوزا أن الحقيقة معيار ذاتها. فهي تظهر بذاتها، مثل النور، ولا تحتاج إلى ما يكشفها أو يؤكدها. بل هي التي تكشف كل شيء، فالبداهة حسب ديكارت تستند إلى الحدس العقلي المباشر، كطريقة أولى لبلوغ الحقيقة، ويعرفه كالتالي « أقصد بالحدس، التصور الصادر عن ذهن خالص ويقظ وهذا التصور هو من البساطة والتميز بحيث لا يبقى معه أدنى شك فيما ندركه (…) يصدر عن نور العقل وحده (…) هكذا يمكن لكل واحد أن يبصر بالحدس أنه موجود،  وأنه يفكر، وأن المثلث يعرف بثلاثة أضلاع فقط.. أشياء من هذا القبيل ».

أما الطريقة الثانية فهي الاستنتاج أو الاستنباط. هو مصدر غير مباشر لإدراك الحقائق، لكنه لا يقل أهمل عن الحدس، لأنه يقود إلى حقائق جديدة وصحيحة، يتم استنباطها أولى، يقول ديكارت: « لقد تمكنا سلفا من التساؤل، لماذا أضفنا إلى الحدس نمطا آخر للمعرفة يتم عن طريق عملية رغم كونها غير بديهية، وغنما فقط لكونها مستنبطة انطلاقا من مبادئ صادقة ومعلومة بواسطة حركة متصلة لا تنفصل لفكر حاصل على حدس واضح بكل شيء ».

في نفس الإطار يقدم بشلار في كتابة تكون الفكر العلمي » (1938) تصورا جديدا للمفاهيم التي تتأسس عليها المعرفة العلمية، منطلقا في ذلك، هو الآخر، من نقد جذري للمعرفية الأولية وللرأي بصفة خاصة إذ لا يكفي أن يمتلك الإنسان رأيا ليصل إلى الحقيقة، بل الرأي هو أول عائق ينبغي تجاوزه. لأن الرأي دائما مخطئ: يقول:

« الرأي تفكير شيء، بل إن الرأي لا يفكر البتة، فهو يترجم الحاجات إلى معارف… لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي، بل ينبغي هدمه (…)

إن الفكر العلمي يمنعنا من تكوين رأي حول قضايا لا نفهمها، وحول أسئلة لا نحسن كصياغتها بوضوح (…).

وبالنسبة للفكر العلمي تعتبر كل معرفة جوابا عن سؤال. وإن لم يكن ثمة سؤال، فمن غير الممكن قيام أية معرفة علمية. لا شيء يحدث تلقائيا، لا شيء يعطى، كل شيء يبنى.

المحور الثاني: معايير الحقيقة

إن التفكير في إشكالية معيار الحقيقة يثير مجموعة من التساؤلات: ما هو معيار صدق الحقيقة هل هو معيار عقلي منطقي؟ أم معيار واقعي مادي تجريبي؟ أي هل معيار الحقيقة هو معيار مطابقة الفكر لمبادئه أم مطابقة الفكر للواقع؟ أم أن معيار الحقيقة يوجد خارج ثنائية العقل والتجربة كما يرى البعض الآخر؟.

وإنما كل الأفكار التي لدينا عن العالم مصدرها العالم الحسي وأدواتها هي الحوار وبالتالي فالحقيقة مادية ومعيارها هو التجربة، وأن ما يصل إليه من نتائج إنما تكون صادقة فقط عندما تتطابق مع ما هو في الواقع الخارجي.

في مقابل التصور التقليدي للحقيقة (العقلانية، التجريبية…)، فإن أطروحات الفلسفة المعاصرة تتجاوز مسالة حصر الحقيقة في ثنائية العقل/التجربة، وبالتالي معيار المطابقة. من أهم أطروحات الفلسفة المعاصرة، أطروحة نيتشه. ينتقد نيتشه مسألة التطابق بمعناها التقليدي. فهو يشكك في قدرة العقل على بلوغ الحقيقة. أن العقل لم ينتج عبر تاريخه إلا الوهم. وتم استعمال العقل من اجل إخفاء الحقيقة، وذلك بدافع الحفاظ على النوع. ان الحقيقة الإنسان هي الحياة لا العقل. أساس الحياة هو القوة. فالقوى هو من يملك الحقيقة تتحدد إذن من خلال الوهم ( = اللاحقيقة).

ينتقد هيدغر بدوره فكرة المطابقة بين الحكم والشيء (بالمعنى التقليدي) أطروحة هيدغر، نقلت أشكال الحقيقة من مستوى معرفي (مجال الحكم) إلى مستوى انطولوجي وجودي (مجال الوجود) إن الحقيقة مع هيدغر، لن تعود محكومة بثنائية ذات/ موضوع، ولا يبحث عن معيار التطابق بين الفكر والواقع، بل ستصبح الحقيقة معه استعداد الكائن البشري لانكشاف الوجود عبر الإنصات إلى لغة الوجود على اعتبار أن « اللغة هي لغة الوجود، مثلما أن السحب هي سحب السماء » إذن تصبح الحقيقة، بخلاف تصورات الفلسفة السابقة عبارة عن سلوك حر، أصيل بواسطته وعميق، بواسطة تقيم علاقة بما  يحيط بنا. لذلك يؤكد هيدغر على أن الإنسان لا يقيم في الحقيقة فحسب وإنما يقيم كذلك في اللاحقيقة، في التيه (التيهان) بسبب نسيان الوجود والانصراف إلى ما هو أكثر رواجا، وهو الوجود الزائف الذي يخلقه « هم » (=عامة الناس).

المحور الثالث: الحقيقة كقيمة

الحديث عن قمة الحقيقة وجه آخر من أوجه التحديد الدلالي لمفهوم الحقيقة:

إن الحقيقة بوصفها قيمة، يعني  انها هي ما يرغب فيه الإنسان، ويفضله ويتخذ مثلا اعلى يسعى نحوه، سواء على المستوى الفكر النظري، او الممارسة العملية او السلوك  الأخلاقي. فما الذي يجعل الحقيقة قيمة مرغوبا فيها؟ من اين تستمد قيمتها؟ هل طابعها العقلي الخالص؟ ام من طابعها العملي النفعي؟ ام من طابعها الأخلاقي؟

التصور الفلسفي التقليدي (اليوناني)

الحقيقة في التصور الفلسفي التقليدي اليوناني غاية في ذاتها أي ان الإنسان ينشد الحقيقة مناجل الحقيقة ذاتها، وهذا يعني ان الحقيقة منزهة عن كل مصلحة أو منفعة كونية، غير مقيدة بشروط الواقع. بهذا المعنى نفهم تعريف فيتاغورس للفلسفة بأنها محبة الحكمة لذاتها، وكلام سقراط عن الفضيلة والعدالة والشجاعة… كقيم إنسانية وأخلاقية  مطلقة دعا افلاطون كذلك إلى الحوار كأسلوب للتفلسف، لأن الحوار في نظره، هو الضامن للحقيقة. فهو أسلب يتبع تبادل الحجج والبراهين، غايته إقناع المخاطب. ومن ثم استبعد أفلاطون كل الأساليب الأخرى (كالأسلوب الجدلي والمغالطي…) لأنه يشل حركة العقل. وحدد شروطا أخلاقية لطلب الحقيقة ولكونيتها هي الحرية والاستقلالية والنزاهة الفكرية، وهذا التصور مثالي، يعتبر الحقيقة ثابتة طونية، مرتبطة كلية بالذات العارفة.

  • أطروحة دافيد هيوم: يميز هيوم بين الحقائق العقلية والحقائق التجريبية. فالأولى يتم التعبير عنها باللغة المنطقية الرياضية، ومثل هذه القضايا يمكن التأكد من صحتها بعمليات فكرية دون أن تكون متوقفة على أشياء موجودة في العالم الخارجي، اما الحقائق التجريبية، فغنها مهما كانت واضحة، فإن معيار صدقها هو ملاءمتها او مطابقتها للعالم الخارجي (الواقع التجريبي) وهناك تكامل بين الحقائق العقلية وبين الحقائق التجريبية، رغم أن الأولى مقدمة ضرورية للثانية.
  • اطروحة مارتن هيدغر: ينتقد هيدغر التصور التقليدي لحقيقة، الذي يقوم على التطابق بين الفكر والواقع. بين الحكم والشيء. ليثبت في المقابل تصورا مفاده ان الحقيقة تقوم على توافق (تطابق) مزدوج: أي تطابق الفكر(الحكم) مع الشيء، تطابق الشيء مع الفكر (الحكم). ليؤكد ان الحقيقة بالمعنى الوجودي (الأنطولوجي) وحدة بين الفكر والشيء.
  • اطروحة ميشيل فوكو: يؤكد فوكو  » أن الحقيقة لا توجد خارج السلطة ولا تخلو من سلطة ». أي ان الحقيقة ترتبط دائريا بالسلطة التي تنتجها، غنها نتاج للمجتمع ونظامه المؤسسي. إن عمل الحتقيقة لا يمكن فصله عن مؤسسات السياسية والتربوية والاقتصادية والعسكرية…. التي تنتجها تنشرؤها بين الناس، وتصبح الحقيقة سلطة تمارس، وتفرض ذاتها وهيمنتها عبر آليات اشتغال الخطاب المهيمن (العلم، الدين، السياسة…).

خلاصة تركيبية:

على ماذا تتأسس الحقيقة؟ ما معيار صدقها وصلاحيتها؟

إن الحديث عن معيار الحقيقة، يرتبط بتحديد مفهوم الحقيقة، أي الإجابة عن السؤال « ما الحقيقة » فهو الكفيل بتحديد دلالتها وطبيعتها وبالتالي معيارها. هل هي حقيقة عقلية منطقية؟ تجريبية مادية؟ ام انها تتحدد خارج ثنائية العقل والتجربة كما يرىالبعض الآخر؟

يرى ديكارت في كتابه مقالة في المنهج »، انه من المؤكد بلوغ الحقيقة اليقينية، إذا ما اهتدين « بالمنهج »، وهو قواعد البحث العلمي المؤدي إلى الحقيقة. وقد كانت نقطة انطلاق خطاب الحقيقة حسب ديكارت، هي الشك. الشك في الحواس، في المعرفة السائدة(الرأي) وفي كل معرفة لم تتأسس على العقل ذاته، هذا اشك قاده على الحقيقة البديهية الواضحة. فالحقيقة بالمعنى الديكارتي إذن قائمة على البداهة العقلية. إن الحقيقة هي في تطابق ما نقوله وما نصل غليه من بداهات العقل ذاته. وبداهات العقل (الشبيهة بالبديهيات الرياضية) فطرية سابقة على كل معرفة أو تجربة حسية.

إدراك الحقيقة حسب المنهج الديكارتي يتم بواسطة الحدس العقلي (معيار البداهة) أولا، ثم الاستنباط (معيار الصرامة المنطقية) ثانيا. فالحدس والاستنباط هما فعلان لفحص الحقائق وتميزها عن الأخطاء، بل هما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة، لكن كيف للعقل ان يستدل على ما هو مادي تجريبي؟

إن الحقيق في علاقتها بالتجربة والظواهر الحسية كما دافع عنها التصور التجريبي (جون لوك- دافيد هيوم). فتقول بمعيار مطابقة الفكر المادي الحسي، مادام مصدر الحقيقة هو الواقع التجريبي. بمعنى أن المدركات الحسية تحول في الذهن إلى أفكار، يدرك الفكر من خلالها العلاقة بين المدركات الحسية، فتصبح الحقيقة هي تطابق الفكر للواقع.

يرى دافيد هيوم أن الاستدلال العقلي يشتغل على مستويين: فهو يكشف عن العلاقات بين الأفكار، مجاله هو الاستنباط البرهاني (المنطق- الرياضيات)، كما يكشف عن العلاقة بين الوقائع التجريبية، وهي علاقات احتمالية، تحولت بفعل العادة والاطراد والتعاقب إلى أفكار قد تحمل طابع اليقين، وهكذا ينفي هيوم مفهوم العقل بالمعنى الديكارتي، فالعقل حسب التجريبيين لا تحتوي حقائق أولية ولا بداهات فطرية.

تصور نيتشه لقيمة الحقيقة

إن مفاهيم الحقيقة المطلقة، والماهية والجوهر والشيء في ذاته… مجرد أوهام أنتجها العقل عبر تاريخه، أساس الحقيقة هو الحياة لا العقل (نقد العقل الكلاسيكي)، فالحقيقة قيمة وجودية في خدمة الحياة (تصور نفعي) يقول:

« إن العالم الظاهر أمامنا، هو عالم منظم ومنظور إليه ومختار من خلال قيم معينة، أي من وجهة نظر نفعية، وذلك من أجل تحقيق مصلحة من نوع حيواني معين في الحفاظ على نوعه وفي زيادة قدرته، فالحياة أو غريزة حفظ البقاء أساس الحقيقة والدافع إليها، ومن ثمة فالإنسان لا يستعمل العقل إلا من أجل الإخفاء أو الكتمان على الحقيقة أما المعرفة الخالصة (النظرية) غير المثمرة فهو لا يكترث بها.

من أدوات إنتاج الوهم، اللغة، فاللغة نقل اعتباطي لصفات الإنسان إلى الأشياء، والإنسان في استعماله يتعسف في رسم حدود الأسماء والكلمات وهذا يعني استحالة التوصل إلى حقائق الأشياء من خلال الكلمات، ولا إلى تعبير مطابق للواقع، ما الحقيقة إذن؟ أنها حشد متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات، إنها جملة من العلاقات البشرية، صارت بعد طول استعمال حقائق صلبة، شرعية، الحقائق أوهام، إن الحقيقة استعارة فقدت من فرط الاستعمال والتداول جمالها الحسي الخلاب، وقطع نقدية تلاشت آثار الصور أو الرسم المطبوع عليها، فصارت تتداول ليس بوصفها قطعا نقدية بل بوصفها قطعا معدنية فقط.

التصور النفعي البرلغماتي (وليام جيمس)

إن الارتباط بين الحقيقة والحياة (حسب تصور نيتشه) هو الطريق نحو التصور البرغماتي النفعي، ولئن كان تصور نيتشه أكثر تجديدا أو عمومية لأنه يربط الحقيقة بتطور النوع الإنساني، فإن الفلسفة البرغماتية تركز على التأثير المباشر للحقيقة على الحياة العملية.

تنتقد البرغماتية التصور العقلاني باعتبارها مطابقة الفكر للواقع، فأفكارنا تحمل صفة الحقيقة لا لأنها مطابقة للواقع بل من خلال ما تحققه أفكارنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا من تأثير في الواقع.

إن غاية الحقيقة تتعلق بالتأثير في مجال الفكر وفي مجال العمل على حد سواء… هذا الارتباط بين الحقيقة والمنفعة (ما هو نافع ومفيد) يجعل المنفعة مقياسا للحقيقة، وتجعل بالتالي الحقيقة نسبية، أي أن ما ينفع البعض، يلحق ضررا بالبعض الآخر، إن التقنية مثلا في مجال صناعة الأسلحة يمكن أن تحقق أرباحا طائلة لتجار الأسلحة، غير أن هذه الصناعة لا يمكن أن تؤدي إلى تبديد ملايين الأبرياء، من هنا البعد الاإنساني، اللاأخلاقي للحقيقة، لأن تحقيق المنفعة على حساب الآخر، قد يؤدي إلى ظلمه وارتكاب الشر ضده، ألا تحتاج الحقيقة إلى أخلاق، إلى مبادئ أكثر احتراما لكرامة الإنسان وحريته؟

التصور الأخلاقي (كانط)

الحقيقة حسب كانط قيمة أخلاقية تقوم على أساس الواجب الأخلاقي، على الإنسان أن يكون صادقا في تصريحاته وأقواله وأفعاله (لأن إخفاء الحقيقة جريمة) بالرغم مما يمكن أن يترتب عغن ذلك من ضرر لصاحبه، وهذا يعني أن الحقيقة واجب غير مقيد بشروط حسل كانط.

في المقابل يتحدد الكذب وهو « تصريح قصدي كاذب أو مزيف » مضر بالإنسانية جمعاء، لأنه يحطم كل سبل التواصل والاحترام المتبادل بين البشر.

استنتاج

الحقيقة سواء كقيمة نظرية أو قيمة عملية نفعية أو قيمة أخلاقية، تعبر عن الإنسان في وحدته وتعدد أبعاده، من هنا الخاصية الإشكالية لمفهوم الحقيقة كمفهوم معقد ومركب.